خط الدفاع الجوي

   


                      

مُقدمة

مُنذ بدأ الخليقة اكتشف الإنسان العديد من العناصر التي ساعدته على مجابهة الصعاب في الحياة اليومية. ومع مرور الوقت وتقدّم الوسائل التكنولوجية تزايدت العناصر المستمدّة من تلك العناصر الطبيعية بشكل مخيف، الذي أدى بدوره إلى ظهور العديد من المشاكل البيئية التي  وبرغم التقدّم التكنولوجي الهائل الذي نشهده اليوم لم نجد حلًا لها، ومن أبرز تلك المشاكل هي مشكلة تآكل طبقة الأوزون.


كيف تكونت طبقة الأوزون؟

يعتقد علماء الجيولوجيا أن طبقة الأوزون بشكلها الحالي التي نعرفها به قد تكوّنت على مدار 2500 مليون عام. قبل أن تتكون طبقة الأوزون وباستحالة الحياة على كوكب الأرض بسبب شدة الأشعة الفوق بنفسجية المنبعثة من الشمس جاء دور المياة والتي يرجع الفضل إليها في امتصاص الكربون العضوي المذاب لبعض تلك الآشعة مما أتاح الفرصة لبعض الكائنات الأولية أن تظهر على سطح الأرض. إذا فإن الغرض الأساسي من ظهور تلك الطبقة في الغلاف الجوي هو حماية الأرض من التأثير الشديد للأشعة الفوق بنفسجية.


ممّ تتكوّن طبقة الأوزون؟

تتدخل العديد من العوامل الجيولوجية والبيولوجية في التكوين الأساسي لطبقة الأوزون  ولكن تأتي البداية حين تمتص بعض جزيئات الأكسجين في طبقة الستراتوسفير كمية مناسبة من الأشعة الفوق بنفسجية من الشمس فتنقسم إلى ثلاث ذرات من الأكسجين والتي تتّحد بدورها مع جزيئات أكسجين أخرى مكوّنة الأوزون:

1) hv+O2  ---> O + O 

2) O+O2---> O3

وهذه ليست الطريقة الوحيدة لتكوّن الأوزون ولكن يتم تدميره عن طريق التفاعلات الكيميائية التي تحدُث طبيعيًا في طبقة الستراتوسفير.


لم يتكون الأوزون في طبقة الستراتوسفير؟

يتسرب الاكسجين الموجود في طبقة التروبوسفير والذي تنتجه الكائنات الحية إلى طبقة الستراتوسفير حيث يتفاعل مع أشعة الشمس مكونًا جزيئات الأوزون ثلاثية الذرة. وجدير بالذكر أن سُمك طبقة الستراتوسفير أكثر من ضعفيّ سُمك طبقة الستراتوسفير، وفي هذه المساحة الكبيرة يوجد حوالي من 4-5 بليون طن من الأوزون !


خط الدفاع الجوي

تتلخص أهمية طبقة الأوزون في أنها تمتص الجزء الضار من الأشعة فوق بنفسجية التي تصدرها الشمس وبهذا تمنع تأثيرها الضّار على الكائنات الحية في الأرض إن وصلت إليها، الأمر الذي كان يحدث منذ ملايين السنين واستحالت الحياة بسببه.

سرطان الجلد، حروق الشمس، إعتام عدسة العين هم من أكثر الحالات المرضية شيوعًا نتيجة تأثير الأشعة فوق بنفسجية الضار منها على جسم الانسان ومع تآكل خط الدفاع الطبيعي للجو وهو طبقة الأوزون قد يصل الأمر إلى تدمير مباشر في المادة الجينية أو الحمض النووي للكائنات الحية،  ومن المعروف أيضًا أن تعرُّض الكائنات الحية خصوصًا الثدييات لتلك الأشعة قد يؤثر على الجهاز المناعي من جهة تعريض الخلايا المناعية للتدمير وحدوث عدوى وأمراض سرطانية.   

هل هناك فعلًا ثقب أوزون؟

 شاع لفظ "ثقب الأوزون" في الفترة من 1970-1980 حين أُطلقت الأقمار الصناعية لاتخاذ لقطات مصوّرة توضح تركيز طبقة الأوزون في الغلاف الجوي. من الناحية العلمية قد يكون "تآكل أو اختزال عامود الأوزون" لفظًا أدق لأن كلمة "ثقب" من الناحية اللغوية تعني الغياب الكلّي للمادة المحيطة، مثلًا ثقب في الملابس يعني الغياب الكلي للمادة المصنّع منها الملابس في هذا المكان، وان طبقنا الأمر ذاته على طبقة الأوزون نجد أن الأمر غير منطقي بالمرة فلا يعقل أنه هناك مساحة من طبقة الأوزون خالية تمامًا من عنصر الأوزون أو تركيز الأوزون بها (صفر) ووصف التآكل يشير إلى منطقة معينة في طبقة الأوزون يقل بها تركيز الأوزون بشكل كبير.


الموقف الدوُلي من تآكل طبقة الأوزون

بدأت المشكلة تتفاقم وبشكل مُلح في سبعينيات القرن المنصرم، حيث اُعتبر الأمر خطرًا محدقًا بالنسبة للأرض وسكانها. وجدير بالذكر أنه ولوقت طويل اُعتبرت مشكلة طبقة الأوزون وهمًا أو من محض خيال بعض الذين حذروا في البداية من وجودها، ولكن مع مرور الوقت وتقدُم الأقمار الصناعية ازدادت الأدلة العلمية على وجود تآكل ملحوظ في طبقة الأوزون بشكل يعجز أي مجتمع علمي أن ينكره، ومن هذه النقطة بدأ العالم باتخاذ القرارات اللازمة والقيام بجهود مُضنية للحد من تلك الكارثة البيئية.

في عام 1985 وُقّعت اتفاقية فيينا بالنمسا من قبل الأمم المتّحدة لاحتواء تلك المشكلة وفي عام 1987 وُضع بروتوكول مونتريال بكندا للفت أنظار العديد من الدول لحل المشكلة واتخاذ القرارات المناسبة للحد من ضررها وقد تم اخضاع البروتوكول 8 مرات للمراجعة.


المفارقة العجيبة

من الواجب ذكره أن غاز الاوزون وهو غاز شاحب لبني اللون يعتبر من الغازات السامة  وبزيادة نسبته في الهواء يتسبب بمشاكل في الجهاز التنفسي بالإضافة لقتل النباتات، إذن فالمكان المناسب لتواجد الأوزون هو في طبقة الستراتوسفير التي تبعد كثيرًا عن الكائنات الحية. ومع تقدّم الصناعات الحديثة وزيادة الملوّثات في الجزء السفلي من الغلاف الجوّي تقوم أشعة الشمس بالتأثير على الملوثات الأكثر شيوعًا في الصناعات وهي "أكُسيدات النيتروز" ومركبات ال"هيدروكاربون" وتحويلها لغاز الأوزون، فبازدياد الملوثات تزداد نسبة الأوزون في الجزء السفلي من الغلاف الجويّ أي في الهواء الّذي نتنفسه.

الجانب الأخر من المفارقة هو اكتساح مركّبات الفلوروكاربون وأشهرها "الفريون" الكثير من الصناعات واكتشف العُلماء أن غاز الفريون (المُستخدم في الأجهزة الإلكترونية والمبردات تحديدًا) ومركبات الفلوروكاربون بشكل عام تتسرب للغلاف الجوي وتنتزع الأوزون الذي يعد خط الدفاع الطبيعي ضد أشعة الشمس، إذن فنسبة الأوزون في الأرض مرتفعة نتيجة الملوّثات مما يسبب ضررًا للكائنات الحية ونسبته في أعلى الغلاف الجوي منخفضة نتيجة تسرب غاز الفريون، وبهذا يكون الانسان قد قلب قوانين الطبيعة رأسًا على عقب وعكس نسبة الأوزون في الغلاف الجويّ.


توقعات مخيفة

من المرتقب أنه إن استمر إنتاج مركبات الفلوروكاربون بالازدياد بمعدل 9% كل عام فقد يرتفع تركيز تلك المواد من 10-30 مرة  أكثر من مستواها الحالي ويتوقّع الكيميائي بجامعة كاليفورنيا فرانك رولاند أن ذلك قد يتسبب في تدمير 10% من طبقة الأوزون خلال 50 عامًا. ويقول أن انخفاضَا بنسبة 1% فقط قد ينتج عنه 8000 حالة سرطان جلد زيادًة في نفس العام وفقًا لإحصائيات الأكاديمية الدولية للعلوم.


21 سبتمبر 2017

    


Post a Comment

0 Comments