من البديهى أن تتهمنى بالجنون حين أقول أنه ليس بمقدرتك لمس أى شىء حولك! فمن المنطقى أننا على احتكاك تقريبًا بكل شىء حولنا، نأكل، ننام، نمشى فكيف لنا ألا نلمس ما حولنا فى حياتنا اليومية ونحن نقوم بكل تلك الأنشطة؟!
حسنًا، فلنترك المنطق جانبًا للحظات ونتجه للعلم وبالأخص الكيمياء، تذكر معى ما هي وحدة البناء الأولى لأى شىء فى الكون، بالطبع هى الذرة. لنسترجع تركيب الذرة سوياً، نواة متعادلة الشحنة ومحاطة بمستويات طاقة تدور بها فى سرعة فائقة أجسام صغيرة للغاية،, سالبة الشحنة تدعى الالكترونات. حديثنا الآن سيشيد الضوء فقط على الإلكترونات.
إذن فنحن نتفق جميعًا أن أي جسم سواء أكان كائنًا حيًا أم جمادًا فهو يحتوى على تلك الالكترونات السالبة الشحنة. وبالحديث عن الشحنة، أنت تدرك جيداً أن الأجسام مختلفة الشحنة تتجاذب والأجسام متشابهة الشحنة تتنافر، إذن فلو قارنّا بين جسمين الأول هو أنت أو أي جزء من جسدك فلنفترض يدك والجسم الأخر هو كوب زجاجي مثلًا.
ونطبق التعريف الطبيعي، يدك مكونة من ذرات وفى الذرات توجد الالكترونات سالبة الشحنة، كذلك الأمر بالنسبة للكوب وإن كان جمادًا فهو يحتوى أيضًا على ذرات والتي بدورها تحتوى على الكترونات سالبة، إذن حين تتقرب يدك من الكوب أي يقترب السالب من السالب ماذا يحدث؟ يحدث تنافر يؤدى إلى فجوة صغيرة جدًا لا تُرى أبدًا ولكن فيزيائيًا هى موجودة وهو ما يُبطل علميًا ظاهرة اللمس، فحتى إن ضغطت على الكوب بقوة شديدة وترى يدك ملتصقة تمامًا به، فأنت أيضًا لا تلمسه في هذه الحالة وذلك لوجود قوى التنافر المستمرة بين الالكترونات التي تجعلها تدفع بعضها باستمرار.
أول سؤال قد يتبادر إلى ذهنك هو أنه إذا كنا فيزيائيًا بالفعل لا نلمس شيئًا فكيف نشعر أننا نلمس الأشياء؟ من أين يأتي هذا الاحساس المؤكد بملمس الشىء وأننا بالفعل على احتكاك به؟ حسنًا فلننتقل إلى جهازك العصبى لنوضح هذه النقطة، أنت تمتلك أعصاب فى كل منطقة فى جسمك وتلك الأعصاب هي المسؤولة عن رد فعلك فى المواقف وأيضًا عن إحساسك بالأشياء، فمثلًا إن كنت تحمل كوبًا من الماء وتشعر وأنت على يقين أنك تلمسه فذلك بسبب أن خلاياك العصبية شعرت بتلك القوى المتنافرة فشعورك بلمس الشىء ما هو إلا شعورك بالالكترونات المتنافرة.
فلننتقل لنقطة أخرى، حين نقطع شيئًا ما بالسكين أو نقص ورقة هل تلمس الورقة فى هذه الحالة بالمقص؟ أيضا لا! وهذا يعد غير منطقي لأنك اخترقت الورقة بكاملها فكيف لا يعد ذلك لمساً؟! سبب ذلك هو أنك إن تركت مصطلح (قطع) أو (اختراق) ستقترب بشكل ما إلى الحقيقة، حين تقص ورقة بمقص فأنت بذرات المقص تدفع ذرات الورقة بعيدًا مستخدمًا فى هذه الحالة قوة التنافر للاكترونات أيضًا.
هل يعد الأمر مألوفًا بالنسبة إليك الآن؟ ببعض التحليل العلمى البسيط يتلاشى الغموض حول أي شىء.
وأنت تقرأ هذا الكلام أنت لا تلمس الكرسى الذى تجلس عليه، أنت (تحوم) فوقه كما يطلق العلماء عليه، الحوم فوق الشىء، أي أنك وبتطبيق هذا الكلام لا تمشي كليًا على الأرض بل تطير فوقها بمسافة صغيرة جدًا.
0 Comments