الجرافين... ما سبب شهرته؟


 

مُقدمة

هل تساءلت يومًا ممّ يُصنع القلم الرصاص الذي اعتدت أن تكتُب به منذ الصغر؟ تأتي الإجابة البديهية وهي الرصاص، ولكن هذا ليس صحيحًا، إنّ قلم الرصاص على عكس ما قد يوحي به اسمه مصنوع من مادة (الجرافيت) وهي الكربون، ولكن أنت على وشك أن تتعرف على واحدة من أقوى وأشهر المواد الكيميائية التي اكتُشفت حتى الآن، إنها التوأم الكيميائي لمادة الجرافيت، إنها تلك المادة ذات الشهرة الواسعة التي حاز مطوروها: البروفيسور «أندريه جيم» والبروفيسور «كوستيا نوفوسيلوف» على جائزة نوبل لعام 2010 لعزلهم المادة في عام 2004 بجامعة مانشستر «University of Manchester»، إنها مادة الجرافين! 

 

ما هو الجرافين؟ 

الجرافين هي مادة مستخرجة من الجرافيت وهو الكربون بسُمك الذرة، وتتميز بأنها ثنائية الأبعاد، ولها عدّة خصائص كيميائية وفيزيائية دفعت العلماء للقيام بأبحاث مكثفة للاستفادة قدر الإمكان من خصائصها الفريدة ومنها:  

- أنها أقوى 200 مرة من الفولاذ، ومع ذلك فهي شديدة المرونة.

- أنها من أقل المواد المعروفة سمكًا وشفافية.

- قدرتها الفائقة على التوصيل سواء أكان توصيلًا حراريًا أم كهربيًا.

- تعمل كحاجز ممتاز، لدرجة أن الهيليوم وهو أخف الغازات لا يمكنه المرور خلالها.


تركيب الجرافين

تحتوي شبكة الجرافين (الشبيهة بخلية النحل) على شبكتين متساويتين من ذرات الكربون المتصلة بروابط (ألفا)، ولدى كل ذرة كربون مدار (باي) والذي في يساهم في شبكة من الإلكترونات، وقد قدّرت قياسات الميكروسكوب البعد الجانبي من 8-10 نانومتر، والارتفاع من 0.7 -1 نانومتر.


مقارنة بين الجرافين، الجرافيت والألماس:

1- الجرافيت

إن عُدنا بالزمن للوراء سنعرف أن القلم الرصاص الذي استخدمناه في المدارس مصنوع من الجرافيت وهو الكربون. الجرافيت هو معدن يوجد بفعل الطبيعة في عدّة قارات منها: آسيا وأمريكا الجنوبية  ويتكون نتيجة اختزال مركبات الكربون المترسّبة في الصخور. 

تًعد الروابط الكيميائية في الجرافيت أقوى من تلك التي في الألماس، وما يجعل الجرافيت أكثر نعومة وقابل للتشكيل هو احتواء ذرات الكربون داخل كل طبقة جرافيت على روابط قوية جدًا. يمتلك الجرافيت القدرة على التوصيل الحراري والكهربي، ويمتلك صلابة وقوة عالية تحت تأثير درجات حرارة شديدة الارتفاع، ولكن توصيل الجرافين للحرارة والكهرباء يُعد أقوى من توصيل الجرافيت، وذلك لتركيبته الفريدة.


2- الجرافين

كما ذكرت من قبل فالجرافين هو التوأم الكيميائي للجرافيت،  ويعتبر طبقة منفردة من الجرافيت، حيث تترتب ذرّات الكربون في شبكة سداسية تشبه خلية النحل، ويعد الجرافين من أقوى المواد التي تم اكتشافها، فهو أقوى من الألماس بـ 40 مرة، ويمتلك الجرافين قدرة عالية جدًا على التَّوصيل الكهربي والحراري، وسوف نتحدث عن التوصيل الحراري بشكل مفصّل بعد قليل.


3-الألماس

هو أحد أشكال الكربون أو (الجرافيت) ويعد كلاهما من أقوى المعادن المعروفة الموجودة في الطبيعة  ويستخدم الألماس كحليّ للزينة نظرًا لتشتته البصري المرتفع ولمعانه الشديد، بالإضافة لخصائصه   الميكانيكية، كما يُعد الألماس من فئة المواد العازلة التي لا تنقل حرارة أو كهرباء، فهو لا يشترك مع الجرافين والجرافيت في خاصية التوصيل، ويعد الألماس الأزرق الطبيعي من أشباه الموصلات. 


تطبيقات الجرافين

نظرًا لخصائصه الفريدة وإمكانياته الغير مسبوقة، يدخل الجرافين في العديد من التطبيقات في عدة مجالات: كالصناعة، الطب، التكنولوجيا، الإلكترونيات، الهندسة، الطاقة والعديد من مجالات الحياة المختلفة، ولكن تلك هي البداية فحسب!

إليك بعض التطبيقات التي قاد الجرافين العلماء إليها، وذلك على سبيل المثال لا الحصر:

الجرافين والتوصيل الحراري.

قام باحثون في جامعة «إلينوي – شيكاغو» بتطوير تقنية مختلفة لقياس عملية انتقال الحرارة عبر حُدود حُبيبة واحدة من مادة الجرافين، وذلك لمعرفة سبب القدرة الفائقة للجرافين على التوصيل الحراري، و لكن للأسف كانت نتيجة هذا الانتقال أقل بعشر مرّات من القيمة النظرية الّتي تنبأ بها الباحثون، وفي محاولة للتعرف على سبب هذه القيمة المنخفضة طوّر فريق أمين صالحي خوجين - الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية  والصناعية لدى جامعة إلينوي- نظامًا تجريبيًا يحتوي على فيلم جرافين فوق غشاء من نترات السيليكون، وذلك بهدف قياس مستوى النقل الحراري من بلورة جرافين واحدة إلى الأخرى ومن هُنا تم حل اللّغز حيث أن اصطفاف البلورتين جنبًا إلى جنب بصورة منظمة هو السبب في انتقال الحرارة بنفس القيمة التي تم التنبؤ بها نظريًا، وإن كان اصطفاف البلورتين غير منظم وحوافهما غير متطابقة فذلك يتسبب بخفض قيمة الانتقال بحوالي 10 مرات عن القيمة النظرية.


الجرافين في الطب الحيوي.

تُجرى العديد من الأبحاث على استخدام الجرافين في المجالات الطبية: كتغليف العقاقير والكشف عن مناطق جينية معينة في الحمض النووي، وبذلك يتم تشخيص بعض الأمراض المتعلقة بالطفرات وخلل الجينات، وتساعد خصائص الجرافين على استخدامه في توصيل العقاقير للأعضاء المستهدفة دون الإضرار بالأعضاء الأخرى، كما يستخدم أيضًا في صناعة المستشعرات الحيوية: كالأجهزة المستخدمة في تحديد نسبة معدن أو هرمون معين عن طريق اللّعاب أو العرق، ولكن ما السبب في اكتساح الجرافين المجالات الطبية؟!


تأتي الإجابة واضحة في خصائصه الفريدة من نوعها وإليك بعضها:

* إمكانية ضبط الأبعاد الجانبية لمادة الجرافين ثنائية الأبعاد ما بين النانومتر والملليمتر.

* من الممكن التحكم في سمك المادة وفقًا للغرض من استخدامها، فمن الممكن أن تكون طبقة واحدة أو مئات الطبقات الأحادية المضغوطة، وتُستخدم الأخيرة في التطبيقات التي تتطلب مرونة عالية وصلابة في نفس الوقت.

* سهولة تعديل سطح المادة من (كارهة للماء-hydrophobic) إلى (محبّة للماء-hydrophilic).


 مغلفات الجرافين متعددة الأغراض

في محاولة للاستفادة من خصائص الجرافين ومشتقاته مثل: المقاومة الكيميائية، الخصائص المُضادة للبكتريا، الاستقرار الحراري، القوة الميكانيكية، والكثير من الخواص الأخرى، قام العلماء بتطوير مغلفات باستخدام الجرافين ومشتقاته لعدة أغراض منها: مقاومة التآكل، القضاء على البكتيريا، مقاومة الحريق والإشعاع، امتصاص المواد السامة وغيرها الكثير، فقاموا بتطوير العديد من التطبيقات منها:

مغلفات الجرافين المقاومة للتآكل

أشارت الدراسات الحديثة إلى استخدام الجرافين كمقاوم للتآكل والصدأ، ويرجع ذلك لتركيبته الفريدة ثنائية الأبعاد التي تصنع حاجزًا ضد الغازات المتفاعلة، السوائل، الأحماض والأملاح، ويعود السبب في ذلك طبيعته الفيزيائية، حيث يبلغ قطر الثغر السداسي للجرافين (0.246 nm)، مع العلم أن طول الرابطة بين ذرّتي الكاربون هو (0.14 nm)، وقد يقل قطر الثغرة إلى (0.064 nm)، قيمة هندسية كهذه تمنح الجرافين سماحية لا تذكر للمواد، حتى غاز الهيليوم لا يمر خلال تلك الثغرة.


أغلفة الجرافين المقاومة للّهب

نتيجة لاستقراره الحراري والكيميائي يستخدم الجرافين لصدّ اللّهب، وذلك لقدرته على امتصاص الرطوبة، ويأتي السبب الأساسي في استخدامه كمقاوم للّهب هو استقراره الحراري الهائل حتى في درجات الحرارة المرتفعة جدًا (K2400)، ويُفضل استخدام الجرافين مزدوج الطبقات حيث يُظهر استقرار حراري أفضل من الجرافين ذو الطبقة الواحدة. 


إنّ مادة بتلك الخصائص المنفردة استطاعت أن تقتحم عالم الصناعة والطب في عدة سنوات، فإذا تم دمجها مع مواد أخرى ذات خصائص جيّدة فما الذي يمكن أن تقدمه لنا في السنوات القادمة من تسهيلات في حياتنا اليومية؟!


13 سبتمبر 2016

Post a Comment

0 Comments